إليزابيث بوميلير – نيويورك تايمز، 10 مارس 2011
واشنطن: بينما كان الجنرال سَامي حافظ عنان، رئيسُ أركان الجَيش المصريّ، ينهى إفطاره في فندق الريتز-كارلتون، بمدينة البنتاجون، بمعيّة صديقين أمريكيين قدامى، أحدهما قائد سابق للمنطقة المركزية والآخر مسئول عالٍ في الدفاع، جاءته مكالمة تليفونية أن الجيش المصريّ يتحرك إلى شوارع القاهرة لضبط حركة الثورة في مصر.
وفي غُضون ساعاتٍ من هذا اليوم في نهاية يناير، كان عنان على متن طائرة متوجهة إلى مصر بعد أن أخطر الجنرال مايك مولين، رئيس ديوان البيت الأبيض، بأنه لن يتمكّن من حُضور مأدبة العشاء في الأسبوع المقبل. وسيلعب الجنرال عنان، في غالب الأمر، دورًا مركزيًا في أية حُكومة مقبلة.
واليوم، يظهر الجنرال عنان، كالرجل الثاني في المنظومة العسكرية المصرية، والتي تتجه بالبلاد نحو شكلٍ من أشكال الديموقراطية. وفي الاجتماعات الرسمية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ترى الجنرال عنان يجلس إلى يمين القائد العام للقوات المسلحة، المشير حسين طنطاوي، ذو ال75 عامًا حيث يُعتبر هو الخليفة المنتظر له. وفي ذات الوقت، فإن الجنرال عنان، ذو ال63 عامًا، قد أصبح مفضّلًا رئيسًا للسياسة الأمريكية في تعاملها مع التطورات التي تزلزل الواقع المصري في القاهرة، وإن كان الجِنرال ليس رجُل البنتاجون في مصر بعد، فلا شك أن الكثيرين يعوّلون على ذلك.
يقول ويليام فالون، رئيس المنطقة الوُسطى المتقاعد، والذي أشرف على العَمليات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بما فيها مصر: «الجنرال رجلٌ ذو ذكاءٍ حاد، صاحبُ فكرٍ ومحترمٌ وقادرٌ مهنيًا»، وأضاف «أظنه سيحاول أن يفعل ما هو صَحيحٌ». وقد كان الأدميرال فالون ومعه ماري لونج، المسئولة الرفيعة السابقة في البنتاجون، ممن كانوا حضورًا في الإفطار المذكور.
والسؤال الرئيسيّ المطروح هو: هل سيمضى العسكر قدما لفعل «ما هو صحيح»، في تنفيذ ما وعدوا به من دعم إقامة نظامٍ ديموقراطيّ، يهدف لتعيين رئيس جديد بواسطة انتخابٍ ديموقراطيّ في أغسطس القادم؟
وقد ظل الجنرال عنان ومجلس العسكر، الذي يحتل مكان القيادة منذ أن أزاحَت ثورة الشباب في 11 فبراير 2011، الرئيس مبارك من الحكم، في تنفيذ تغييراتٍ شكليةٍ حتى الآن، ولا يزال الشباب يطالب بتغييرات حقيقية حتى بعد تعيين رئيس وزراءٍ يعتبر مقبولًا من المتظاهرين.
والبنتاجون على اتصال يوميّ مع المجلس العسكريّ، الذي يبدو متوترًا ومشغولًا بحقيقة انه ليس هناك مُرشحٌ للرئاسة يمكنه أن يوحّد، من وجهة نَظَرِهم، صفوف الشعب من ورائه، بما في ذلك عمر موسى، سكرتير الجامعة العربية.
وقد صرح بعض الخبراء أن الجنرال عنان قد يكون، هو نفسه، مرشحًا للرئاسة، ولكن سرعان ما ردت مصادر البنتاجون ومصادر مجلس القيادة العسكري المصريّ، ذلك الاحتمال. وقد صرحّ مسئول من المجلس العسكريّ، في مقابلة نادرة يوم الجمعة الماضي في واشنطن، أنّه «لن يرشح المجلس رئيسًا من بينهم». وقد طلب المصدر عدم ذكر اسمه إذعانًا لقرار من المجلس العسكريّ.
ولا يجادل أحدٌ في الدور المَركزيّ الحاسم الذي سَيلعبه الجنرال عنان من خلف الستار في أية حكومة قادمة، من حيث أنّ القوى العسكرية التقليدية ، ذات الخطط السّرية ، لا زالت مستقرةٌ في أوضَاعها وهم، في خفاءٍ عن أنظار الشعب، يسيّرون سِياسة اقتصادية قومية أمنية خاصة بالعسكر، ويديرون لصالحهم مؤسسة ثرية في عالم الأعمال تقوم بإنتاج الملابس والإلكترونيات والمعدات المنزلية والطعام (هيئة التصنيع العربية-المترجم).
وعلى عكس المشير الطنطاوي، الذي يحمل في أوساط القوات المسلحة اسم «كلب مبارك المُدلّل«Mubarak's Poodle»، والذي تعتبرُه واشنطن رهين المؤسسة العسكرية الاقتصادية الحالية، والذي يقاوم أي تغيير في السياسات الاقتصادية تلك، خلافًا لعنان الذي تراه واشنطن كرجلٍ عسكريّ تقليديّ يركّزُ على الجَيش ذاته وطرق تطويره. وكغيره من أبناء جيله العسكريّ، فقد درس في روسيا، وأخْذ دوراتٍ في فرنسا. وهو يتعاطى الخمر في المناسبات، ويتحدّث بعضَ الإنجليزية والفرنسية.
وقد وُلدَ الجنرال في المنصورة، بدلتا النيل، وتدرج في رتب القوات الجوية، حيث كان مسؤولًا عن كتائب الصواريخ المصرية. وهو، على خلاف الأجيال الأصغر في الجيش، لم يتلق تدريبًا أو تعليمًا في أمريكا، حسب المصدر العسكريّ المصريّ.
وحَسب مصادر البنتاجون، فإن الجنرال عنان رجلٌ متواضعٌ، محترمٌ، خفيف الظل، ومولعٌ بالبضائع الأمريكية! وقد تعوّد المسئولون الأمريكيون، في مثل هذه الزيارات، تخصيص يومٍ له وزوجته، للتسوق في تايسون مول بفرجينيا، لشراء الإلكترونيات والجينزات والملابس، كما تفعل مع بقية المسؤولين المصريين. والعائلة لديها ثلاثة أبناء.
وتعتبرُ هذه الرحلات السنوية، المتبادلة بين أفراد القوات المسلحة المصرية والأمريكية، مِحورًا للتعاون بين الجهتين خلال الثلاثين عامًا السابقة.
وتركز هذه الزيارات بشكلٍ رئيس على ميزانية المساعدة الأمريكية للجيش المِصري والتي تصل إلى 1.3 بليون دولار من المعدات العسكرية والتي عادة ما تكون طائرات ف16 ودبابات إبراهام M1A1 (وقد حصلت القوات العسكرية المصرية منذ كامب ديفيد على 35 بليونًا من الدولارات، مما يجعلها الثانية بعد إسرائيل في المساعدات العسكرية الأمريكية)
{ملحوظة: أرجو ألا تنسوا أن حسين سالم نهب نسبة محترمة من هذا الرقم أثناء احتكاره لشحن هذه المساعدات بعلم ودعم مبارك!!}
وقد رأس الجنرال عنان الوفد العسكريّ المصريّ إلى واشنطن، والذي يتكون عادة من أكثر من عشرين عَسكريًا، عدة مرات في السنوات الفردية، ولكن هذه الرحلة في 2011، قد اختصرت بسبب التطورات في بلاده. وتصف المصادر العسكرية الأمريكية هذه الرحلات بأنها سلسلة من دعوات الغداء والعَشاء في المطاعم الفاخرة في واشنطن، والإقامة في فندق كارلتون-بنتاجون الفاخر، والقريب من البنتاجون.
ورغم الأجواء المُريحة التي تسود هذه الرحلات، فإن التوتّر يسود تحت السَطح في بعض الأحيان نظرًا لما يبديه بعض العَسكريين من طلب لمعدات تكنولوجية شديدة التقدم، مما يفضّل البنتاجون الاحتفاظ بها لنفسه (ولإسرائيل كذلك - إضافة من المترجم).
ويقول جيمس بيتي، رئيس البعثة العسكرية البَحرية السَابق في مصر «طالما طلبنا منهم أن يحدّدوا لنا كيف يريدون أن تكون عليه قواتهم العَسكرية في عام 2020، حتى يمكن جدولة التطوير بطريقة منظمة ومدروسة، بدلا من الحضور كلّ عام بلائحة جديدة من الطلبات!» ويعقب قائلًا «وكنا نراهم دائما ينظرون ألينا كمن» يقول «أنتم تنظّمون هذه الاجتماعات، وتخبروننا كم نحن مهمّون بالنسبة لكم ولكنكم لا تعطوننا ما نطلبه».
وفي هذه الزيارات ذاتها، يقوم الجِنرال عَنان للقيادة المركزية في تامبا، فلوريدا، أو إلى حرس السَواحل في ميامي، أو لمقابلة قوات الردّ السّريع في فيرفاكس، فرجينيا.
والجنرال عَنان على اتصال مُستمر ومباشرٌ بالبنتاجون عبر الهاتف، وبالأدميرال مولن، حيث تحدث الرّجلان يوم الثلاثاء الماضي، دون أن يصدرا أي تعليقات عن فحوى الإتصال، غير أنّ الجنرال عنان والمجلس العسكريّ ليست لديهما أية شُكوكٌ في عِظم المهمة التي تواجههم.
وقد حذّر المجلس العسكريّ المصريّ يوم الجُمعة الماضي أن الغموضَ لا يزال يكتنف الوَضع في مصر، وأنه لا يَجبُ على واشنطن أن تراهِن على الجنرال عَنان بعد ، وقد أوضح مسئول أن اللواء حمدى وهبة رئيس الأركان السابق لم يتمّ تعيينه وزيرًا للدفاع .. بل تم تعيينه رئيسًا لهيئة التصنيع العربية ، والتي هي رأس المؤسّسة التجارية العَسكرية وقد وعد المسئول بأن «يعود الجيش إلى مُمارسة دوره المُعتاد بعد إجراء الانتخابات القادمة» [1]
نيل ماكفارهر - مراسلٌ متضامن في القاهرة
http://www.nytimes.com/2011/03/11/world/middleeast/11enan.html?_r=2&ref=middleeast
Comments